قصة ثلاثة إخوة ونبتة مباركة: اختبار الكرم الذي غيّر مصيرهم إلى الأبد

في قرية نائية بين الجبال، عاش ثلاثة إخوة فقراء في بيت صغير من الطين. كانوا يتقاسمون الحياة البسيطة بكل ودّ، ويعتمدون في رزقهم بعد الله على نبتة طبية مباركة ورثوها عن أبيهم، تُستخدم في علاج أمراض عديدة ويشتريها أهل القرى المجاورة بثمنٍ طيب. لم تكن نبتة عادية، لكنها لم تكن خيالية أيضاً، بل مما أنعم الله به على بعض عباده، مثل العسل أو الحبة السوداء، من الأسرار التي يغفل عنها الناس.

كان الإخوة الثلاثة يتناوبون على حراستها والعناية بها، ويتقاسمون عائد بيعها بالتساوي، ويخرج الاثنان الآخران في كل مرة للبحث عن الحطب أو جلب الماء.

وذات يوم، مرّ رجل غريب على القرية، بدا عليه التعب والفقر، وكان يرتدي ثيابًا بالية ووجهه مغطى بالغبار. اقترب من الكوخ واستأذن من الحارس في ذلك اليوم، وكان الأكبر اسمه زهير، وطلب منه شيئًا من ثمار النبتة يخفف بها جوعه.

تردّد زهير قليلاً، ثم قال:

– لا أستطيع التصرف فيما ليس لي، لكن إن شئت، أعطيتك من نصيبي أنا.

وقطف له بعضًا من ثمار النبتة وناولها له، فشكره الرجل وانصرف.

في اليوم التالي، جاء الرجل في نفس الهيئة ووجد الأخ الأوسط، سليم. كرر عليه الطلب، فرد عليه سليم:

– لا أملك أن أقدم شيئًا من حصص إخوتي، لكن خذ من نصيبي ما استطعت.

وفي اليوم الثالث، زار الأخ الأصغر، رمّان، وكان ألينهم قلبًا وأكثرهم تواضعًا. وما إن طلب منه الرجل بعضًا من الثمار، حتى قال رمّان بابتسامة:

– خذ ما تشاء، فكل ما لدينا من الله، وما أعطيناه لا يُنقص ما عندنا.

مرّت الأيام، وانصرف الرجل الغريب. لكن بعد أشهر، عاد إلى القرية مرة أخرى، هذه المرة بملابس بسيطة ونظرة وقورة، وقال لهم: – لقد كنتُ أختبر صدق نواياكم، وأنا مجرد عبد من عباد الله أعمل مع لجنة خيرية كبرى تهتم بمساعدة المحتاجين، ونبحث عن أمثالكم من الناس الأمناء والأتقياء.

ثم عرض عليهم فرصًا مختلفة:

  • عرض على زهير أن يكون مسؤولًا عن مشروع كبير لتوزيع الغذاء في المناطق الجبلية.
  • وعرض على سليم العمل في إدارة مزرعة كبيرة للنباتات الطبية لصالح جمعية خيرية.
  • أما رمّان، فعرض عليه أن يتزوج من فتاة يتيمة تربت في كنف عائلة كريمة، وأن يمنحهما بيتًا صغيرًا وحديقة يزرعانها بأنفسهم.

قبل الإخوة العروض، وشكروا الله على فضله، وذهب كل منهم إلى وجهته. وبعد سنوات، عاد الرجل ليرى حالهم:

ذهب أولًا إلى زهير، فوجده قد تغير. أصبح غليظ الطبع، يرفض أن يعطي الطعام إلا بمقابل، وينظر إلى الناس بتعالٍ. فقال له الرجل:

– ألم تكن يومًا من أهل الكرم؟

فأطرق زهير رأسه خجلاً، لكنه لم يعتذر.

ثم ذهب إلى سليم، فوجده قد انشغل بجمع المال من بيع الأعشاب، وأغلق المزرعة في وجه المحتاجين. قال له الرجل:

– أما كنت تسقي الناس مما رزقك الله؟

لكن سليم قال:

– هذا تعبي وجهدي.

ثم توجّه إلى رمّان، فوجده في مزرعته مع زوجته، يزرعان ويحصدان، ويوزعان ما يزيد على الجيران والفقراء، ويذكران الله في كل خطوة.

عندها، بكى الرجل تأثرًا، وقال:

– إن القلوب الصافية هي التي تصمد أمام الدنيا. أنت لم تتغير، ولهذا ستجد البركة في بيتك وفي ذريتك.

وهكذا مضت السنون، وعُرف بيت رمّان بأنه مأوى لكل من ضاقت به الدنيا، وظل هو وزوجته يعيشون في رضا وسلام، أما أخواه فقد ندم كل منهما على ما فاته، وعادا ليعتذرا، فاستقبلهما رمّان برحابة صدر، وقاسمهما رزقه من جديد.


💡 العبرة:

ليس الغنى في المال، بل في القلب. ومن حافظ على طيبة قلبه، بارك الله له في رزقه وعمره وولده. فالمحن قد تكون اختبارات، والكرم لا يضيع أبدًا عند الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *